الله تَعَالَى عندما قال في آيات الرجاء وآيات الوعيد يظن قوله تعالى:((إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)) [الزمر:53] وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)) [المائدة:72] وأيضاً قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:48].
فكونه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يغفر للمشركين وأنه حرم عليهم الجنة، هذا حق وكونه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقبل التوبة من أي أحد، هذا حق أيضاً، ولا تعارض بينهما؛ فإذا تاب المشرك فقد انتقل من هذا الحكم -عدم المغفرة للمشرك- إِلَى حكم ((إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)).
وهذا يدخل في ضمن صفة (قابل التوب) فيقبل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى التوبة حتى من المشرك، فإذا تاب وأسلم فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقبل توبته وهذا حكم ظاهر معلوم، عمل به الصحابة الكرام كما أمر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في أخر آيات الأحكام -التي نزلت في أول سورة التوبة- أحكام المنافقين والْمُشْرِكِينَ حين أظهر الله دينه وأعزه.
وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ))[التوبة:5] وقال في سورة الفرقان بعد أن ذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صفات عباد الرحمن: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)) [الفرقان:68] هذا هو الشرك ((وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ألا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ)) [الفرقان:68] وهذه أعظم الكبائر.
ثُمَّ قال :((وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * ألا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً)) [الفرقان:68-70] وهذا أصل عظيم وواضح ولكن إذا عميت البصيرة، فإنه يخفى عليها مثل هذا الأمور الواضحات، ((غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ)) فكما أنه اتصف بقبوله التوبة فإنه متصف أيضاً بغفران الذنوب وبالعفو وبالمغفرة وبالكرم.
فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجازى العبد عَلَى العمل الصالح بأضعاف أضعاف ما يستحق والأصل أن العبد لاحق له عَلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قال تَعَالَى: ((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)) [النمل:89] وفسرتها الآية الأخرى ((فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) [الأنعام:160] وهذا كرم من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ يضاعف الله لمن يشاء إِلَى سبعمائة ضعف، وبعد الوزن وبعد أن ترجح سيئات أناس عَلَى حسناتهم، ويستحقون دخول النَّار يغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمَن يشاءُ منهم بمنِّه وفضله وكرمه، ولا أحد يُحجِّرُ عَلَى رحمة الله الواسعة،
فهذا ما ذهب إليه أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وأما أهل البدع، فإنهم يجعلون المسألة مسألة عوض ومسألة مقابلة.